الذكريات تارةً ما تكون كنسائم فجرٍ عليل
ينشرح لها الصدر فيَبْسُم الثغر ..
وتارةً ما تكون مِعْوَلاً يحفر في أعماقنا أخاديد حزنٍ يصعب ردمها ..
الشاهد أننا تذاكرنا أحبةً لنا كانوا يقاسموننا كل شيء ..
أتراحنا قبل أفراحنا
وبؤسنا قبل أُنْسِنَا
هم من كانوا بالأمس القريب يربتون على أكتافنا عند الشدائد ..
ويَهَبُونَنَا نظرة مفادها : أن اصمدوا !
والواقع اليوم يفتقدهم كحالنا ..
ويبكيهم كما نحن أو أعظم ..
إذ قد دعاهم داعي الموت فَلَبُّوا
_ أمطر الرحمن على قبورهم شآبيب رحمته _
تذاكرناهم ..
فكانت تلك الذكرى كشفراتٍ تستمتع باختبار حِدَّتها على جروح فؤادٍ لم تزل ندية بعد ..
وَيَا لِذَلِكَ الوجع الذي أهديناه أنفسنا ذاك الصباح !
لبرهةٍ أطلقت العنان لخيالٍ جامحٍ أن يتصور أنني من وُرِّيت التراب ضحى ..
سرت على طول ظهري رعشةٌ لم يشعر بها أحدٌ سواي ..
وشريط ذكرياتٍ آخر يُسرد أمامي ولكنه هذه المرة خاصٌ بي ..
ويَتَفَنَّنُ في اختيار مَقَاطِعِه فلا يعرض إلا لحظاتٍ لا أودُّ تذكرها !
فلاشات سريعة لمواقف شتى ...
فهنا قصّرت ..
وهنا تغافلت ..
وهنالك فرّطت ..
وهنا أخرت ما لا يحتمل التأخير ..
يمنةً ويسرةً أهز رأسي في علامة رفضٍ لهذه المقاطع المتلاحقة
ربَّااااااه
شعرت أن ملامحي اجتاحتها معالم الذُّعْر ..
فأنزلت راسي لأخفي ذلك متظاهرةً التشاغل بشيءٍ هو في الحقيقة ليس بشيء !
وأهتف بعمقٍ محصورٍ بين دمِي والوريد :
إلهي ... الرحمة والستر الّلذَيْنِ وَسِعَاني فوق الأرض
لن يعجزك يا عظيم أن تحيطني بهما تحت الأرض ويوم العرض ..
اللهم أحسن عاقبتي في الأمور كلها ، وأجرني من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ..
اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتدّ ، ونعيما لا ينفد ،
ومرافقة محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنة الخلد ..
أرأيتم لو أن رجلا يجهل السباحة ألقي في اليمّ ثم قيل له عُمّ !
صارع الموج لمُدّةٍ في محاولةٍ فاشلةٍ للحياة
وعندما أيقن الهلاك أغمض جفنيه ونطق الشهادتين سراً استعداداً لتسليم الروح !
ثانية وثلاث وعشر ....
لم يعد يشعر بعدها بتلاطم الموج
أترى الموت وسكراته بهذه السهولة ؟! _ هكذا تساءل _
ليفتح عينيه فيجد نفسه في قارب إنقاذ
أوَ يستطيع هذا أن يعبر عن فرحته ساعةَ إِذ ؟!
هذا هو ما شعرت به عندما تمتمت بالدعوات السابقة بصوت ضميرٍ لم يصل حتى لمسامعي ..
شعور السعادة الغامر الذي اجتاحني هو ليقيني بأن الرحيم العالم بما هو أخفى من السِّر ؛
عَلِمَ بما تَمْتَمْتُ به على استحياءٍ ؛
ولن يُضَيِّعني ..
المشاعر المختلطة التي عشتها في دقائقٍ قذفت على لساني بيتين رددتهما بهمسٍ مسموع :
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي ××× جعلت رجائي نحو عفوك سُلَّما
تعـاظمني ذنبي فلمـــــــــا قرنْتُه ××× بعفوكَ ربي كان عفوكَ أَعْظَما
متمردة تلك الابتسامة التي شقّت طريقها من بين أروقة الألم فالأمل ببسالة ،
لتظهر ندية كما الفَجْر .
متمردة تلك الابتسامة التي شقّت طريقها من بين أروقة الألم فالأمل ببسالة ،
لتظهر ندية كما الفَجْر .
21 / 10 / 1431 هـ