الأحد، 27 مارس 2011

الندوي | وماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟ | وأنا


 

فرغت أخيرا من قراءتي لكتاب : " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟ "
للعلامة الشيخ : أبي الحسن الندوي رحمه الله تعالى ..
لم أكن قد سمعت بهذا الكتاب على شهرته من قبل ، إلى أن أهدي لي قبل شهور ..
تأملته ، 298 صفحة ، ونسخة غير منقحة .. فأدركت أن قراءته ليست بالأمر الهيّن ..
إلا أني لم أصرف النظر عن قراءته وإنما قررت التأجيل ..
لن أقول أن عنوانه شدني فحسب بل لقد بقي راسخا في عقلي الباطن ..
وكنت كلما أردت قراءة كتاب محسوس آخر ، أجد " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟ " يقفز أمامي ..
فأتراجع وأقول إن وجد من فراغٍ لقراءة فسيكون كتاب الندوي هو المقدم !
ولم أزل أؤجل وأؤجل حتى منّ الله عليّ بالشروع في قراءته .

قرأت مقدمة الطبعة ..
ثم تصدير الدكتور محمد يوسف موسى ، والأستاذ سيد قطب ، وصورة وصفية بقلم الشيخ أحمد الشرباصي .. فتحمست لإكمال القراءة ..
لكنّ الحماس وحده لا يكفي ما لم تزل العوائق والعوالق التي من شأنها وأد الحماس في مهده !
كنت أقرأ في اليوم _ وحسب فراغي _ من ثمان لعشر صفحات تقريبا !
هكذا كانت بدايتي مع الكتاب .. ضعيفة بل ضعيفة جدا .. 
وكانت ربما تمر عليّ أيام دون أن أقرأ فيها حرفا من الكتب المحسوسة !
على غير عادة قديمة لي في التهام كتب قد تصل لأضعاف هذا الكتاب في أيام معدودة
فما الذي يسرقني عن هذا العالَم إذن ؟!
ثمّة خَلل .. ولم أُعِره اهتماما !
إلى أن جاء ذلك اليوم الذي جلست فيه أمام حاسوبي كالعادة .. وفوجئت بعطلٍ منعني من الاتصال بالشبكة ..
وبدلاً من أن أُغلق الجهاز لأستفيد من الوقت في أي شيء آخر ، وجدتني أبحث عن ما يجعلني أقضي وقتي المعتاد أمام الشاشة !
ففتحت كتابا إلكترونيا من القطع المتوسط _ كما أذكر _ كنت قد حفظته مسبقا على الجهاز ، وأنهيته في جلسة واحدة !!!
!
!
!
ها هنا الخَلَل إذن ..
" النِّت " هو اللص الخفي ..
والضحية كتب عَلَتْها الأغبرة على الرفوف !!!
فكان لابد لي من وقفة حازمة مع النفس .. وأتى القرار :
لا أمل في الاتصال بالشبكة ما لم أَنْتَهِ من جزئية محددة للقراءة .
ونفذت وامتثلت .. فأصبحت أقرأ ما يقرب من الأربعين صفحة .. حتى أنهيت ما تبقى من الكتاب في ساعتين مقسمة على أربعة أيام تقريبا .
وهو كعلاج مبدئي ولضيق وقتي تلك الأيام وجدته حلا مناسبا .
...
نعود لكتاب الندوي ..
" ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟! ".
لاختياره _ رحمه الله _ للعنوان رؤية موفقة .. ظهرت جلية في مقدمة الإصدارات الحديثة للكتاب ..
وقد قسّم الكتاب لخمسة أبواب ..

_ تكلم في بابه الأول عن " العصر الجاهلي " بكل أبعاده الدينية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والأخلاقية ، والاقتصادية ..
وعندما تأتي على تفاصيل ذلك لا شك وأنك ستعجب أشد العجب من عصر مغموسٍ في الظلمات حدّ الغرق !

_ ليوافيك رحمه الله بالباب الثاني والذي عَنْوَنه بِـ : " من الجاهلية إلى الإسلام "
وكأنه يريد إنقاذك من حالة اختناق أصابتك لهَول ما قرأت ..
وليبين لك كيف أتى الإسلام ليمثل سفينة النجاة من الغرق ..
ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم هو الربان الذي سيتجه بالسفينة لبر الأمان ..
وصحابته رضوان الله عليهم الذين نشؤوا على عينه هم خير من ورث قيادة الأمة بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم .
وفي هذا الباب تحديدا تستطيع أن تشتم عبق العزة والمجد والكرامة ..
وتشمخ بهامتك لتقول للدنيا :
اشهدي أني من أحفاد أولئك الذين أرخصوا كل شيء في سبيل " لا إله إلا الله " .

_ في الباب الثالث استعرض المؤلف رحمه الله انحطاط الحياة الإسلامية ..
وهي الفاجعة التي لا عزاء لها سوى عودة الإسلام لسابق عهده .. وتبوء المسلمين مكانهم اللائق بهم في قيادة العالم ..
وأشار رحمه الله في هذا الباب إلى " الجهاد " و " الاجتهاد " وأنهما كما كانا سببان رئيسان للزعامة الإسلامية فإن غيابهما عن واقع المسلمين كان سببا رئيسا كذلك في انحطاطهم !
وبرزت في آخر الباب أعلام وأسماء تؤكد أن أمتنا تغفو ولا تنام .. من أمثال : 
صلاح الدين الأيوبي ، ومحمد الفاتح ، ودور العثمانيين عموما على مسرح التاريخ .

_ الباب الرابع خصصه الندوي رحمه الله للعصر الأوربي ..
وأنت تقرأ في هذا الباب سترى أوجه التشابه الكثيرة بين هذا العصر والعصر الجاهلي !
بل إنه قد يفوق العصر الجاهلي انحطاطا ..
إلا أن الفرق البارز بينهما هو تفوقهم _ أعني الأوربيين _ في مجال العلوم والقوة المادية والتي عادت عليهم بالويل أيضا !

عندما وصل المؤلف في هذا الباب إلى عنوان : [ أوروبا إلى الانتحار ] حبستُ الأنفاس ..
وأذكر أنني وقعت ضحية صراع اللهفة التي تدعوني لأشهد طقوس الانتحار هذه .. وبين الإعياء الذي كان قد استحوذ علي لاسيما وأني كنت أقرأ حينها في وقتٍ متأخر من الليل .
قررتُ أخيرا أن يكون هذا العنوان فاتحا لشهية قراءتي في اليوم التالي .

طيلة تململي في فراشي وقبل أن يسحبني النوم للُجّته كنت أرسم في مخيلتي مشهد الانتحار للغول الأوربي ..
وطافت في ذهني الكثير من الأدوات التي قد تكون إحداها هي القاضية !
أعترف .. نجح أبو الحسن في أن يجعلني أعيش المشهد وأتمثل حروفه وكأنما بُثَّت فيها الروح لتهزني هزا ..
ولا عجب .. فمن يملك أسلوبه وقلمه _ رحمه الله _ سينجح في ذلك بلا شك .


_ الثانية ظهرا كنت في زاويتي المفضلة وقد استقر أمامي " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟ "
وتحديدا عند صفحة 223 غامت الأشياء من حولي ..
فلم أعد أرى إلا الحروف وكأنها حبال غليظة تلتف حول عنق أوروبا لتلقى حتفها ..
أترك لكم تخيل المشهد .. 
ولئلا أفسد عليكم قراءته مباشرة بأسلوب المؤلف أنتقل معكم للباب الخامس .

_ في الباب الخامس تتطلع الأفئدة والأبصار إلى الحل الوحيد للأزمة العالمية ..
" وهو تحول القيادة العالمية وانتقال دفة الحياة من اليد الأثيمة الخرقاء التي أساءت استعمالها إلى يد أخرى بريئة وحاذقة "
ما بين القوسين كما ورد نصا في الكتاب .. يتابع بعدها ويقول :
" إن تحول القيادة من بريطانيا إلى أمريكا ومنهما جميعا إلى روسيا لا يغني غناء ولا يغير من الموقف شيئا ،
فإن هذا التحول ليس إلا نقل المجداف من اليمين إلى الشمال إذا تعبت الأولى أو بالعكس ،
فما دام أن المجداف واحد فلا فرق بين يمينه وشماله ، وليست بريطانيا وأمريكا وروسيا إلا أيدي رجل واحد تتداول دفة الحياة ، وتتناوب تجديف السفينة على خط واحد إلى جهة واحدة .
إن التحول المؤثر الواضح هو تحول القيادة من أوروبا _ بالمعنى الواسع الذي يشمل بريطانيا وأمريكا وروسيا ومن كان على شاكلتها من الأمم الآسيوية والشرقية _ التي تقودها المادية والجاهلية ، إلى العالم الإسلامي الذي يقوده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم برسالته الخالدة ودينه الحكيم .
هذا هو التحول الذي يغير وجه التاريخ ، ويحول مجرى الأمور وينقذ العالم من الساعة الرهيبة التي ترقبه "
وفصّل رحمه الله فيما ولا بد أن يتوفر لدى المسلمين من مقومات لينهضوا بالعالم الإسلامي وينقذوه من الانهيار !
نشير إليها مجملة .. وهي :
1 / الاستعداد الروحي
2 / الاستعداد الصناعي والحربي
3 / تبوء الزعامة في العلم والتحقيق
ويلهب في المسلمين روح قيادة هم أهلها فيقول :
" فليست القيادة بالهزل ، وإنما هي جد الجد ، فتحتاج إلى جد واجتهاد ، وكفاح وجهاد ، واستعدادٌ أي استعداد ..
كل امرئ يجري إلى ××× يوم الهياج بما استعدا "


_ أخيرا ..
سأخبرك أيها القارئ بأمرٍ ..
إن كتاب : " ماذا خسر العالَم بانحطاط المسلمين ؟ " على روعته بأبوابه الخمسة .. 
وبراعة المؤلف في شدّ انتباهك لكل حرف .. 
إلا أن الباب الخامس والأخير _ في نظري _ أروعها ..
فهو كما تناول واقعا مؤلما إلا أنه لم يتوانى عن بث أمل يدفعه أمل في رحمه أمل .
كيف لا ؟ والندوي رحمه الله ما فتئ يذكر المسلمين عامة والعرب منهم خاصة بأن القيادة والزعامة لا تليق إلا بهم ..
وأنهم إن لم يشغلوا هذا المكان فسيأتي من يحتله ويسومهم سوء العذاب ! 

لن أقول في هذا الباب والذي حمل عنوان : " قيادة الإسلام للعالَم " أكثر مما ذكرته آنفا .. وإلا لاقتبسته كاملا حرفاً حرفاً !
سأترك لكم الحكم عقيب قراءتكم للكتاب .
وما دوري هنا إلا كمن يمتدح الدُّرّ ..
وهل الدُّر بحاجة لمن يُرَوِّج له ؟!
أو هل يضيره إن لم يٌوَفَّق من يعرضه لإبراز جميع محاسنه ؟!
لا يضره هذا .. ولا ينتظر مديح ذاك ..
وسيبقى الدُّر دُرّا ..
وسيبقى كذلك " ماذا خسر العالَم بانحطاط المسلمين ؟ " أكبر وأعظم من حروفٍ سطرتها هنا على عجالة ..
لم ترتقِ أبدا لتعطي الكتاب حقه .. ولا أزعم أني أستطيع ذلك ..
إنما أردت منها أن تعبر عن شكري ..
وتحكي شيئا من امتناني لهذا العَالِم الراحل ..
ولعلّ المولى سبحانه أن يجعلها دافعة لمن لم يقرأ كتابه فيتدارك ما فاته .. 
هذا ما أردته وحسب .

ولا يفوتني أن أذكر لكم أن هذا الكتاب كان بوابة دلفتُ من خلالها إلى روائع الندوي الأخرى ..
فأتيت على كتابه الذي يقع في 27 صفحة : " رِدَّة .. ولا أبا بكرٍ لها "
وحمّلت كذلك الكثير من كتبه ورسائله إلكترونيا ..
وأخرى ضممتها لقائمة الكتب التي ستكون غنيمتي عند زيارتي المرتقبة للمكتبة قريبا بأمر الله .
_ توصون على شيء من المكتبة : ) _
هنا رابط الكتاب لمن أراد تحميله :
وللعلم فالنسخة الموجودة على هذا الرابط لا توافق النسخة الورقية التي بين يدي من الكتاب ..
نفعنا الله وإياكم بما نقرأ ونسمع .. وجعله حجة لنا لا علينا .



الثلاثاء، 15 مارس 2011

| أطلالٌ لا تُهْجَر |



أيُّ حماقةٍ نرتكبها في حق أنفسنا ..
حين نعبث بتجاويف الذاكرة ..
ثم نبكي على أطلال ذكرياتٍ نَبَشْناها بأيدينا
؟!



الأحد، 13 مارس 2011

| أنين ذكرى |



لم تبقِ لي الأيام منهم سوى ذكرى حزينة ..
وفؤادا مكلوما أسقيه صبرا صباح مساء ..
وصورة يتيمة لم تخلُ من جراح ..
تذكرنا أن للثأر قصة لم تنتهِ فصولها بعد !





السبت، 12 مارس 2011

☼ إشراقات ☼



إشراقة " 1 " 
 
       :::         
حدّث محمد بن سُوقَةَ جماعة من زواره قال :
ألا أسمعكم حديثاً لعله ينفعكم كما نفعني ؟
قالوا : بلى 
قال : نصحني عطاء بن أبي رباح ذات يوم فقال :
يا بن أخي إن الذين من قبلنا كانوا يكرهون فضول الكلام  .
فقلت : وما فضول الكلام عندهم ؟
فقال : كانوا يعدون كل كلام فضولاً ما عدا كتاب الله عز وجل أن يُقرأ ويُفهم ..
وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُروى ويُدرى ..
أو أمراً بمعروف ونهياً عن منكر ..
أو علماً يتقرب به إلى الله تعالى ..
أو أن تتكلم بحاجتك ومعيشتك التي لابد لك منها ..
ثم حدق إلى وجهي وقال :
أتنكرون ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ )  
وأن مع كل منكم ملكين ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )
ثم قال : أما يستحى أحدنا لو نشرت عليه صحيفته التي أملاها صدر نهاره ؛
فوجد أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ، ولا أمر دنياه !




إشراقة " 2 "

 ::: 
 
حدّثَ الأمامُ أبو حنيفة النعمان عن نفسه قال :
أخطأتُ في خمسة أبواب من المناسك بمكة فعلمنيها حَجَّام ...
وذلك أنى أردت أن أحلق لأخرج من الإحرام ، فأتيت حلاقاً وقلت :
بكم تحلق لي رأسي ؟
فقال : هداك الله
النسك لا يُشَارَطُ فيه ، اجلس وأعط ما يتيسر لك ...
فخجلتُ وجلستُ ،
غير أني جلست منحرفاً عن القبلة ،
فأومأ إلي بأن أستقبل القبلة ففعلت ، وازددت خجلاً على خجلي ،
ثم أعطيته رأسي من الجانب الأيسر ليحلق فقال :
أَدِرْ شِقَّكَ الأيمنَ ،
فأدرته .
وجعل يحلق رأسي وأنا ساكتٌ أنظرُ إليه وأعجبُ منه ، فقال لي :
مالي أراك ساكتاً ؟
كَبّر ,
فجعلت أُكَبِّر حتى قمت لأذهب ،
فقال : أين تريد ؟
فقلت : أريد أن أمضي إلى رحلي ،
فقال : صَلِّ ركعتين ، ثم امضِ إلى حيثُ تشاء ,
فصليت ركعتين ، وقلت في نفسي :
ما ينبغي أن يقع مثل هذا من حَجَّامٍ إلا إذا كان ذا علم ،
فقلت له : من أين لك ما أمرتني به من المناسك ؟
فقال : لله أنت ..
لقد رأيت عطاء بن أبي رباح يفعله ، فأخذته عنه ، ووجهت إليه الناس .


رحم الله مفتي الحرم
وجزاه عن أمة الإسلام خير الجزاء .
  الإشراقات من كتاب :
صُوَرٌ مِنْ حَيَاةِ التَّابِعِين
للدكتور :
عبد الرحمن رأفت الباشا
_ رحمه الله _



 

الخميس، 10 مارس 2011

| يا أنتَ |



كم من الوقت يلزمني لأرمم فجوات الروح ؟!
وكم من العمر سأحتاج لأجمع مزع فؤاد تناثر لشظايا ؟!
كم شهقةٍ .. كم دمعةٍ .. هي ثمن تطلبه لتعود ؟!





الثلاثاء، 8 مارس 2011

بين أروقة المجلات |

    


وجدت نفسي فجأة وأمامي مجموعة مجلات لا أدري من أين أتت ..
ولا كيف وصلت إلى منزلنا ؟!
تبدو إصدارات قديمة نوعا ما .. ولم تكن ذات طابع إسلامي وهذا أكثر ما أثار عجبي !
زفرت زفرة ضجر إذ علمت منذ الوهلة الأولى أن علي التخلص منها ..
فلا أحد هنا ممن يهتم بمثل هذا النوع من المجلات أو يلتفت إليها ..
مغلوبة على أمري تكفلت بإتلافها ،
وبمحض إرادتي قلبت صفحاتها ، طامعة في الوقوف على شيء ولو يسير من الفوائد .
ألم يقولوا أنه لا يخلو كتاب من فائدة ؟
حسنا .. سأعاملها على هذا الأساس وسأبحث سريعا عن فائدة محشورة بين هذا الكمّ من التفاهات !
كانت عملية البحث سريعة .. وكلما مررت بموضوع أعتقد أنه سيفيدني نزعت أوراقه من قلب المجلة ..
وهكذا حتى انتهيت من انتزاع ما لفت نظري في بضع دقائق ..
ثم مزقت باقي الصفحات حتى كلّت يداي : (
تخلصت منها .. وعدت أسترق النظر للوريقات التي احتفظت بها ..
سأقرؤها لأرى ما تحوي .. ولكن ليس قبل أن أنهي بعض الأعمال التي مازالت معلقة ..
لم يمضِ الكثير من الوقت حتى كنت قد فرشت الصفحات أمامي ..
وبجانبي استقر دفتر في قلبه قلم استعدادا لنقل كلمات تستحق النقل _ إن وجدت _
حقيقةً لم تكن مسارعتي لقراءتها ناجمة عن حماس ورغبة ..
أبدا لم يكن ذلك .. فهناك كتب تنتظرني أولى من هذه الصفحات بالقراءة ..
إلا أني أعلم _ يقينا _ أنه لن يهدأ لي بال حتى آتي عليها وأرى ما فيها !
وهكذا كان ,,
قرأتها .. وكما توقعت لم تخلُ المحاولة من فائدة ..
تختلف هذه الفائدة كثرة وقلة من صفحة لأخرى ..
فأحيانا لا أخرج من عامود كامل إلا ببيت شعر يتيم ..
وأحيانا لا أخرج بشيء .. وقد احتفظ بالصفحة كاملة إذ أغلبها فيه خير ..
أضع بين أيديكم بعضا من هذه الفوائد التي خرجت بها ..
مشاركة إياكم شيئا من ثمار هذه الرحلة بين أروقة هذا النوع من المجلات ..
وإن كان لي تعليق على شيء منها فسأضعه بين قوسين ( ) باللون الأحمر .
أولى هذه الفوائد :
_ روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :

دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة قال :

" يا أبا أمامة مالي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة ؟ "

قال : هموم لزمتني وديون يا رسول الله ، فقال :

" أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله همك وقضى دينك ؟ "

قلت : بلى يا رسول الله .. قال :

" قل إذا أصبحت وإذا أمسيت : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز والكسل ،

وأعوذ بك من الجبن والبخل ، وأعوذ بك من غلبة الدَّين وقهر الرجال "

ففعلت ذلك فأذهب الله همي وقضى ديني .


علّق بعض العلماء على الحديث فقال :

هذا الدعاء من جوامع الكلم ، لأن أنواع الرذائل ثلاثة : نفسية ، وبدنية ، وخارجية

1 / فالنفسية منها ما يتعلق بالعقل كالهم والحزن ،

ومنها ما يتعلق بغريزة الغضب كالجبن ،

ومنها ما يتعلق بالشهوة كالبخل .

2 / والبدنية : العجز والكسل

والعجز قد يكون لفقد عضو ، أما الكسل فقد يكون مع سلامة الأعضاء والآلات .

3 / والخارجية : ضلع الدَّين ؛ أي ثقل الدَّين وشدته بحيث لا يجد من عليه الدَّين وفاء لدينه لا سيما مع المطالبة به من الدائن

وقهر الرجال : أي تسلطهم على الإنسان ، وما أفظع قهر الرجال ، خصوصا إذا كان من رعاع الناس .


( وجدت أنه قول الكرماني رحمه الله ، وهذا نصه :

قَــالَ الْــكِــرْمَــانِي :
هَذَا الدُّعَاءُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ ؛ لِأَنَّ أَنْوَاعَ الرَّذَائِلِ ثَلَاثَةٌ :

نَفْسَانِيَّةٌ ، وَبَدَنِيَّةٌ ، وَخَارِجِيَّةٌ ،

1 / فَالْأُولَى بِحَسَبِ الْقُوَى الَّتِي لِلْإِنْسَانِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ :

أ _ الْعَقْلِيَّةُ 

ب _ وَالْغَضَبِيَّةُ 
 
جـ _ وَالشَّهْوَانِيَّةُ ،

فَالْهَمُّ وَالْحَزَنُ يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْلِيَّةِ

وَالْجُبْنُ بِالْغَضَبِيَّةِ

وَالْبُخْلُ بِالشَّهْوَانِيَّةِ

2 / وَالْعَجْزُ وَالْكَسَلُ بِالْبَدَنِيَّةِ ،

وَالثَّانِي يَكُونُ عِنْدَ سَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ وَتَمَامِ الْآلَاتِ وَالْقُوَى

وَالْأَوَّلُ عِنْدَ نُقْصَانِ عُضْوٍ وَنَحْوِهِ ،

3 / وَالضَّلَعُ وَالْغَلَبَةُ بِالْخَارِجِيَّةِ ،

فَالْأَوَّلُ مَائِيٌّ

وَالثَّانِي جَاهِيٌّ

وَالدُّعَاءُ مُشْتَمِلٌ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ )

_ سَكَتُّ عن السفيه فظن أني     عييت عن الجواب وما عييت
_ ثلاثة لا يفعلها إلا أخرق :
شرب السم للتجربة ، وائتمان النساء على الأسرار ، ومجالسة السلطان .
_ يقول ابن الجوزي رحمه الله :
ينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه ،
فلو كان يتصور للآدمي صعود السماء لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض ،
ولو كانت النبوة تحصل بالاجتهاد لرأيت المقصر في تحصيلها في حضيض !
_ حجرة واحدة تكفي لطرد مائة غراب .
_ ينام الحق أحيانا لكنه لا يموت !
_ يا بني العرب والكوارث تترى
أوقفوا سيرها وصونوا البقية
يا بني العرب إن الضعف عار  
إي وربي سلوا الشعوب القوية
كم ضعيف بكى ونادى فراحت
لبكاه تقهقه المدفعية
لغة النار والحديد هي الفصحى
وحظ الضعيف منها المنية !
( الأبيات لفهد عسكر )
_ سئل أحد الصينين :
ما هي كلمة السلام في اللغة الصينية عندكم ، على غرار " السلام " في العربية ،
و " شالوم " في العبرية ، و " بيس " في الانكليزية ؟
فقال باسما يجيب : " مين شان شو " !
ولما دققنا في معنى الكلمة الصينية وفسرناها لغة فصحى كانت النتيجة :
من أجل ماذا ؟!
_ حتى لا يحقدوا !!
لن ينال السلطان محبة رعيته له ، وهيبتها منه إلا إذا ظفرت منه بخمسة أشياء :
إكرام شريفها _ ورحمة ضعيفها _ وإغاثة لهيفها _ وكف عدوان عدوها _ وتأمين سبل رواحها وغدوها .
ومتى أعدمها شيئا من هذا .. فقد أحقدها بقدر ما أفقدها !
_ سأل ملك الفرس أحد مستشاريه : ما صلاح الملك ؟ فقال :
الرفق بالرعية _ وأخذ الحق منها بغير عنف _ والتودد إليها بالعدل _ وإنصاف المظلوم .
وقال : خير الملوك من أشرب قلوب رعيته محبته كما أشعرها بهيبته .
( لولا الأحداث الطاحنة هذه الأيام لما كنت أظنني سألتفت لها وأنقلها ، فاللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد )
_ ترك المعاقبة على صغائر الأمور يدعو إلى ارتكاب كبائرها .
_ كان لأحد الأمراء المجاهدين كاتب ، ولم يكن الأمير يسمح لكاتبه أن يرافقه في المعارك الخطيرة ،
وتضايق الكاتب من سلوك أميره فسأله :
لعلك لا تثق بي أيها الأمير ، دعني أذهب إلى ساحة المعركة .
قال الأمير :
يجب أن تبقى حيا ، حتى لو هلكنا جميعا ،
فكل إنسان يستطيع أن يحل محل المحارب بالسيف ، أما المؤرخ فلا !
ابق هنا ، واكتب عن جهادنا .
( ذكرتني هذه القصة بمقولة قرأتها سابقا تقول : من يصنع التاريخ لا يجد وقتا لكتابته )
هذا جلّ ما خرجت به من بضاعة ..
إضافة إلى قصص قصيرة شدني أسلوبها لا مضمونها !
وتبقى الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها .
دمتم للفرص صيّادين .. وللحكمة طالبين  : )