الأحد، 27 مارس 2011

الندوي | وماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟ | وأنا


 

فرغت أخيرا من قراءتي لكتاب : " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟ "
للعلامة الشيخ : أبي الحسن الندوي رحمه الله تعالى ..
لم أكن قد سمعت بهذا الكتاب على شهرته من قبل ، إلى أن أهدي لي قبل شهور ..
تأملته ، 298 صفحة ، ونسخة غير منقحة .. فأدركت أن قراءته ليست بالأمر الهيّن ..
إلا أني لم أصرف النظر عن قراءته وإنما قررت التأجيل ..
لن أقول أن عنوانه شدني فحسب بل لقد بقي راسخا في عقلي الباطن ..
وكنت كلما أردت قراءة كتاب محسوس آخر ، أجد " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟ " يقفز أمامي ..
فأتراجع وأقول إن وجد من فراغٍ لقراءة فسيكون كتاب الندوي هو المقدم !
ولم أزل أؤجل وأؤجل حتى منّ الله عليّ بالشروع في قراءته .

قرأت مقدمة الطبعة ..
ثم تصدير الدكتور محمد يوسف موسى ، والأستاذ سيد قطب ، وصورة وصفية بقلم الشيخ أحمد الشرباصي .. فتحمست لإكمال القراءة ..
لكنّ الحماس وحده لا يكفي ما لم تزل العوائق والعوالق التي من شأنها وأد الحماس في مهده !
كنت أقرأ في اليوم _ وحسب فراغي _ من ثمان لعشر صفحات تقريبا !
هكذا كانت بدايتي مع الكتاب .. ضعيفة بل ضعيفة جدا .. 
وكانت ربما تمر عليّ أيام دون أن أقرأ فيها حرفا من الكتب المحسوسة !
على غير عادة قديمة لي في التهام كتب قد تصل لأضعاف هذا الكتاب في أيام معدودة
فما الذي يسرقني عن هذا العالَم إذن ؟!
ثمّة خَلل .. ولم أُعِره اهتماما !
إلى أن جاء ذلك اليوم الذي جلست فيه أمام حاسوبي كالعادة .. وفوجئت بعطلٍ منعني من الاتصال بالشبكة ..
وبدلاً من أن أُغلق الجهاز لأستفيد من الوقت في أي شيء آخر ، وجدتني أبحث عن ما يجعلني أقضي وقتي المعتاد أمام الشاشة !
ففتحت كتابا إلكترونيا من القطع المتوسط _ كما أذكر _ كنت قد حفظته مسبقا على الجهاز ، وأنهيته في جلسة واحدة !!!
!
!
!
ها هنا الخَلَل إذن ..
" النِّت " هو اللص الخفي ..
والضحية كتب عَلَتْها الأغبرة على الرفوف !!!
فكان لابد لي من وقفة حازمة مع النفس .. وأتى القرار :
لا أمل في الاتصال بالشبكة ما لم أَنْتَهِ من جزئية محددة للقراءة .
ونفذت وامتثلت .. فأصبحت أقرأ ما يقرب من الأربعين صفحة .. حتى أنهيت ما تبقى من الكتاب في ساعتين مقسمة على أربعة أيام تقريبا .
وهو كعلاج مبدئي ولضيق وقتي تلك الأيام وجدته حلا مناسبا .
...
نعود لكتاب الندوي ..
" ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟! ".
لاختياره _ رحمه الله _ للعنوان رؤية موفقة .. ظهرت جلية في مقدمة الإصدارات الحديثة للكتاب ..
وقد قسّم الكتاب لخمسة أبواب ..

_ تكلم في بابه الأول عن " العصر الجاهلي " بكل أبعاده الدينية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والأخلاقية ، والاقتصادية ..
وعندما تأتي على تفاصيل ذلك لا شك وأنك ستعجب أشد العجب من عصر مغموسٍ في الظلمات حدّ الغرق !

_ ليوافيك رحمه الله بالباب الثاني والذي عَنْوَنه بِـ : " من الجاهلية إلى الإسلام "
وكأنه يريد إنقاذك من حالة اختناق أصابتك لهَول ما قرأت ..
وليبين لك كيف أتى الإسلام ليمثل سفينة النجاة من الغرق ..
ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم هو الربان الذي سيتجه بالسفينة لبر الأمان ..
وصحابته رضوان الله عليهم الذين نشؤوا على عينه هم خير من ورث قيادة الأمة بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم .
وفي هذا الباب تحديدا تستطيع أن تشتم عبق العزة والمجد والكرامة ..
وتشمخ بهامتك لتقول للدنيا :
اشهدي أني من أحفاد أولئك الذين أرخصوا كل شيء في سبيل " لا إله إلا الله " .

_ في الباب الثالث استعرض المؤلف رحمه الله انحطاط الحياة الإسلامية ..
وهي الفاجعة التي لا عزاء لها سوى عودة الإسلام لسابق عهده .. وتبوء المسلمين مكانهم اللائق بهم في قيادة العالم ..
وأشار رحمه الله في هذا الباب إلى " الجهاد " و " الاجتهاد " وأنهما كما كانا سببان رئيسان للزعامة الإسلامية فإن غيابهما عن واقع المسلمين كان سببا رئيسا كذلك في انحطاطهم !
وبرزت في آخر الباب أعلام وأسماء تؤكد أن أمتنا تغفو ولا تنام .. من أمثال : 
صلاح الدين الأيوبي ، ومحمد الفاتح ، ودور العثمانيين عموما على مسرح التاريخ .

_ الباب الرابع خصصه الندوي رحمه الله للعصر الأوربي ..
وأنت تقرأ في هذا الباب سترى أوجه التشابه الكثيرة بين هذا العصر والعصر الجاهلي !
بل إنه قد يفوق العصر الجاهلي انحطاطا ..
إلا أن الفرق البارز بينهما هو تفوقهم _ أعني الأوربيين _ في مجال العلوم والقوة المادية والتي عادت عليهم بالويل أيضا !

عندما وصل المؤلف في هذا الباب إلى عنوان : [ أوروبا إلى الانتحار ] حبستُ الأنفاس ..
وأذكر أنني وقعت ضحية صراع اللهفة التي تدعوني لأشهد طقوس الانتحار هذه .. وبين الإعياء الذي كان قد استحوذ علي لاسيما وأني كنت أقرأ حينها في وقتٍ متأخر من الليل .
قررتُ أخيرا أن يكون هذا العنوان فاتحا لشهية قراءتي في اليوم التالي .

طيلة تململي في فراشي وقبل أن يسحبني النوم للُجّته كنت أرسم في مخيلتي مشهد الانتحار للغول الأوربي ..
وطافت في ذهني الكثير من الأدوات التي قد تكون إحداها هي القاضية !
أعترف .. نجح أبو الحسن في أن يجعلني أعيش المشهد وأتمثل حروفه وكأنما بُثَّت فيها الروح لتهزني هزا ..
ولا عجب .. فمن يملك أسلوبه وقلمه _ رحمه الله _ سينجح في ذلك بلا شك .


_ الثانية ظهرا كنت في زاويتي المفضلة وقد استقر أمامي " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟ "
وتحديدا عند صفحة 223 غامت الأشياء من حولي ..
فلم أعد أرى إلا الحروف وكأنها حبال غليظة تلتف حول عنق أوروبا لتلقى حتفها ..
أترك لكم تخيل المشهد .. 
ولئلا أفسد عليكم قراءته مباشرة بأسلوب المؤلف أنتقل معكم للباب الخامس .

_ في الباب الخامس تتطلع الأفئدة والأبصار إلى الحل الوحيد للأزمة العالمية ..
" وهو تحول القيادة العالمية وانتقال دفة الحياة من اليد الأثيمة الخرقاء التي أساءت استعمالها إلى يد أخرى بريئة وحاذقة "
ما بين القوسين كما ورد نصا في الكتاب .. يتابع بعدها ويقول :
" إن تحول القيادة من بريطانيا إلى أمريكا ومنهما جميعا إلى روسيا لا يغني غناء ولا يغير من الموقف شيئا ،
فإن هذا التحول ليس إلا نقل المجداف من اليمين إلى الشمال إذا تعبت الأولى أو بالعكس ،
فما دام أن المجداف واحد فلا فرق بين يمينه وشماله ، وليست بريطانيا وأمريكا وروسيا إلا أيدي رجل واحد تتداول دفة الحياة ، وتتناوب تجديف السفينة على خط واحد إلى جهة واحدة .
إن التحول المؤثر الواضح هو تحول القيادة من أوروبا _ بالمعنى الواسع الذي يشمل بريطانيا وأمريكا وروسيا ومن كان على شاكلتها من الأمم الآسيوية والشرقية _ التي تقودها المادية والجاهلية ، إلى العالم الإسلامي الذي يقوده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم برسالته الخالدة ودينه الحكيم .
هذا هو التحول الذي يغير وجه التاريخ ، ويحول مجرى الأمور وينقذ العالم من الساعة الرهيبة التي ترقبه "
وفصّل رحمه الله فيما ولا بد أن يتوفر لدى المسلمين من مقومات لينهضوا بالعالم الإسلامي وينقذوه من الانهيار !
نشير إليها مجملة .. وهي :
1 / الاستعداد الروحي
2 / الاستعداد الصناعي والحربي
3 / تبوء الزعامة في العلم والتحقيق
ويلهب في المسلمين روح قيادة هم أهلها فيقول :
" فليست القيادة بالهزل ، وإنما هي جد الجد ، فتحتاج إلى جد واجتهاد ، وكفاح وجهاد ، واستعدادٌ أي استعداد ..
كل امرئ يجري إلى ××× يوم الهياج بما استعدا "


_ أخيرا ..
سأخبرك أيها القارئ بأمرٍ ..
إن كتاب : " ماذا خسر العالَم بانحطاط المسلمين ؟ " على روعته بأبوابه الخمسة .. 
وبراعة المؤلف في شدّ انتباهك لكل حرف .. 
إلا أن الباب الخامس والأخير _ في نظري _ أروعها ..
فهو كما تناول واقعا مؤلما إلا أنه لم يتوانى عن بث أمل يدفعه أمل في رحمه أمل .
كيف لا ؟ والندوي رحمه الله ما فتئ يذكر المسلمين عامة والعرب منهم خاصة بأن القيادة والزعامة لا تليق إلا بهم ..
وأنهم إن لم يشغلوا هذا المكان فسيأتي من يحتله ويسومهم سوء العذاب ! 

لن أقول في هذا الباب والذي حمل عنوان : " قيادة الإسلام للعالَم " أكثر مما ذكرته آنفا .. وإلا لاقتبسته كاملا حرفاً حرفاً !
سأترك لكم الحكم عقيب قراءتكم للكتاب .
وما دوري هنا إلا كمن يمتدح الدُّرّ ..
وهل الدُّر بحاجة لمن يُرَوِّج له ؟!
أو هل يضيره إن لم يٌوَفَّق من يعرضه لإبراز جميع محاسنه ؟!
لا يضره هذا .. ولا ينتظر مديح ذاك ..
وسيبقى الدُّر دُرّا ..
وسيبقى كذلك " ماذا خسر العالَم بانحطاط المسلمين ؟ " أكبر وأعظم من حروفٍ سطرتها هنا على عجالة ..
لم ترتقِ أبدا لتعطي الكتاب حقه .. ولا أزعم أني أستطيع ذلك ..
إنما أردت منها أن تعبر عن شكري ..
وتحكي شيئا من امتناني لهذا العَالِم الراحل ..
ولعلّ المولى سبحانه أن يجعلها دافعة لمن لم يقرأ كتابه فيتدارك ما فاته .. 
هذا ما أردته وحسب .

ولا يفوتني أن أذكر لكم أن هذا الكتاب كان بوابة دلفتُ من خلالها إلى روائع الندوي الأخرى ..
فأتيت على كتابه الذي يقع في 27 صفحة : " رِدَّة .. ولا أبا بكرٍ لها "
وحمّلت كذلك الكثير من كتبه ورسائله إلكترونيا ..
وأخرى ضممتها لقائمة الكتب التي ستكون غنيمتي عند زيارتي المرتقبة للمكتبة قريبا بأمر الله .
_ توصون على شيء من المكتبة : ) _
هنا رابط الكتاب لمن أراد تحميله :
وللعلم فالنسخة الموجودة على هذا الرابط لا توافق النسخة الورقية التي بين يدي من الكتاب ..
نفعنا الله وإياكم بما نقرأ ونسمع .. وجعله حجة لنا لا علينا .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق