السبت، 26 نوفمبر 2011

ما أخبثَ كيدهم !



أكتب هذا الموضوع وأقصى حدّ لآمالي أن يمرّ به ثلاثة !
العجيب أنّا أُمّة على قَدْر ما يلعب بنا السّاسة إلا أننا أجهل الناس بالأبعاد السياسية للأحداث من حولنا !
ومع هذه النظرة _ المُثَبِّطَة / الواقعية للأسف _ التي افتتحتُ بها الموضوع إلا أنها الباكستان ثانيةً تدفعني لألقي بكل هذه السلبيات وراء ظهري وأتحدث عنها مجددا .

البداية كانت عندما قرأتُ بالأمس خبرا عن الاحتفال الذي أقامته السفارة الأمريكية في إسلام أباد قبل أسبوع للمثليين .. 
وعلى أن قلة عدد المشاركين في الاحتفال قد يجعل البعض لا يلقي لهم بالاً ولا يأخذ ما حصل مأخذ المؤامرة .. 
إلا أن لشعبٍ عظيم كالشعب الباكستاني نظرة ثاقبة تَتَنَبَّه للخطر منذ ظهوره .. ولهم في هذا الحَدَث بصمة مُشَرِّفَة لا تَقِلُّ روعة عن باقي مواقفه الخالدة ..
فكان أن ثارت ثائرت علمائهم .. ووصفوا ما تقوم به أمريكا بأنه :
" أسوأ إرهاب اجتماعي وثقافي ضد باكستان "
ووصفوا المشتركين في الحفل بأنهم : " لعنة المجتمع وحثالته " وطالبوا باعتقالهم .. 
كيف وقد أعلنت سفارة الخَنَا أن الهدف من الاحتفال هو دعم حقوق المثليين من الرجال والنساء وثنائيي الجنس والمتحولين جنسيا في باكستان !

موقف أهل العلم في باكستان يدل دلالة لا لَبْسَ فيها على أنهم فهموا اللعبة القذرة التي تريد الولايات المتحدة أن تلعبها على الشّعب الأَبِيّ ..
وأن العدو لما عَجز عن مواجَهَتِهِم ودحرهم بطائراته وسلاحه أراد أن يُجَرِّب فيهم ما جربه في الدول الأخرى بأن يفسد عليهم دينهم الذي هو مصدر قُوَّتِهِم وصمودهم ويغمسهم في الشهوات ليكسب الحرب دون مقاومة !
وهذا بالضبط ما أشارت له الجماعة الإسلامية في باكستان حين قالت
 " إن هذا الحفل هو ثاني أكثر الهجمات الأمريكية خطورة على باكستان بعد هجمات الطائرات من دون طيار "

وبكل وقاحة يقول نائب السفير الأمريكي بأن بلاده ستدعم حقوق هؤلاء الشواذ في باكستان ..
وأعلنها بصراحة " : أريد أن أكون واضحا؛ السفارة الأمريكية هنا لدعمكم والوقوف إلى جانبكم في كل خطوة على الطريق
عجيب يا هوغلاند !! تدعمون حقوق منتكسي الفطرة وتقفون لجانبهم وفي كل خطوة !!! 
ماذا عن حقوق المدنيين الذين يتساقطون بالعشرات في قصف طائراتكم للمناطق القبلية الباكستانية ؟!
ماذا عن الأطفال اليتامى والأمهات الثكالى وفظائع الجرائم التي ترتكبونها في حق الشعب الباكستاني الشامخ ؟!
أصبحت الآن حقوق المثليين هي ما يشغلكم .. وليذهب باقي الشعب الذي رفض إعطاء الدنية في دينه إلى الجحيم ؟!

ألا إنما هي وسائلكم الخبيثة في السيطرة على الشعوب المسلمة وإذلالها ..
وهذا الذي ما فتئ أهل البصيرة يحذرون منه ..
فإنه متى ما انتشر الفسق وانطمست معالم الفطرة السوية في قلوب النشء لم يكن وراء ذلك إلا تهاوي الأمم ..
فنحن لا نقف أمام أقوى دول العالَم وننتصر عليهم ونمرغ كرامتهم بكثرة عدد ولا قوة عتاد _ بل هذا العنصر يتفوق فيه العدو علينا _ ولكن إنما ننتصر بالإيمان الذي نحمله في قلوبنا فيتحوّل حينها مقلاع الحجارة إلى أعظم سلاح يرهب العدو !

ولأن الشيء بالشيء يُذكر فقد قررتُ اليوم أن أُكمل القراءة في ذكريات الطنطاوي _ رحمه الله _ وكنتُ قد توقفت في قراءتي عند حلقة بعنوان " صور ولمحات من كراتشي "
تحدث فيها وفي الحلقة التي تليها عن باكستان التي كانت حلما في خيال شاعر وهدفا في رأس سياسي .. وعن جرائم الإنكليز المُرَوِّعة في القارة الهندية .. ثم عن تحقق الحلم المسمى " باكستان..
وأفادني _ رحمه الله _ في جملة ما أفادني أن المعنى الحرفي لكلمة باكستان هو : " أرض الأطهار "

ووالله إنها لأرض الأطهار صدقا !
ووالله لقد صَدَقَت الجماعة الإسلامية حين قالت في بيانها عن هؤلاء السَّفَلَة أنهم
" لا يستحقون أن يكونوا مسلمين ولا باكستانيين "

الواقع الذي نشاهده بأُمّ أعيننا يخبرنا بوضوح أنه كلما كانت الشعوب بعيدة عن التَّرَف ومحجوبة عن مستنقع الشهوات المحرمة كلما كانت حصنا منيعا في وجه الأعداء .. وكلما كانت أسرع لتلبية داعي الجهاد بنوعيه " الدفع والطلب "
والعكس صحيح ؛ فكلما كان الشعب مُفْرِطاً في الدلال .. غارقا في شهواته .. مُتَّبِعا لهواه .. كلما كانت دياره حمىً مستباحاً لكافة المعتدين .. 
فلا دِين ولا رِجال يصدّون عنها الصائل !

وقد كتب الطنطاوي في ذكرياته أيضا كلاما جميلا في هذا السياق عندما تحدث عن يوم جلاء الفرنسيين عن سوريا .. وما تبع ذلك من أحداث وكيف تحولت مظاهر شكر النعمة في ذلك اليوم لكفرٍ بها
فقال _ رحمه الله : _ 
فإذا كنتم تحسبون أن إطلاق الغرائز من قيد الدِّين والخُلُق ، والعورات من أسْر الحجاب والستر ، إذا ظننتم ذلك من دواعي التقدم ولوازم الحضارة وتركتم كلّ إنسان وشهوتَه وهواه ، فإنكم لا تحمدون مغبّة ما تفعلون ، وستندمون _ ولات ساعةَ مَنْدَم _ إذا ادلهمَّت المصائب غداً وتتالت الأحداث ، وتَلَفّتُّم تفتِّشون عن حُماة الوطن وذادة الحِمى ، فلم تجدوا إلا شباباً رخواً ضعيفاً لا يصلح إلا للرقص والغناء والحُبّ .
فاللهَ اللهَ للأُمّة والمستقبل !

وهذا عين ما تريده الولايات المتحدة وما تسعى جاهدة لإسقاط الشعب الباكستاني فيه ..
وأنّى لهم هذا .. وقد خضع هذا الشعب لمحنٍ عظيمة فثبت ثبات الرواسي .. 
ولكأن الشاعر يعنيهم حين قال :
خُلِقْتُ من الحديد أشد قلبا **** وقد بلي الحديد وما بليتُ
وإني قد شربت دم الأعادي **** بأقحاف الرؤوس وما رويتُ

وهذا ما يجعلني أُقَدِّر وأحترم شعب باكستان وأفغانستان والشيشان واليمن والصومال ومن يحمل صفاتهم من الشعوب الأخرى ..
فهم أقرب من غيرهم في التمسك بشعائر الدِّين .. والفقر الذي ابتليت به عامة هذه الشعوب ما كان يوما مما يخشاه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم علينا حين قال :
"   والله ما الفقر أخشى عليكم ... "
وإنما الفقر في حقهم منحة في ثوب محنة .. لأنه لما كان سببا في ابتعادهم عن الانغماس في ملذات الدنيا وشهواتها كانوا هم أقدر الشعوب على التضحية في سبيل رفع الظلم وإحقاق الحق .. 
والأَوْلَى بمهمة إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ..
وكفى بهذه المهمة شَرَفاً

فهنيئا لباكستان بشعبها .. 
هنيئا لها بعلمائها .. 
هنيئا لها ليوثها الثائرة .. 
وأسأل الله تعالى أن يحفظ عليهم دينهم .. 
وأن يرد كيد أعدائهم في نحورهم


* 4 / 8 / 1432 هـ








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق